في الكورة : آمن بالحلم فصنع المجد.. إيجور جيسوس من ملاعب الإمارات إلى كتابة التاريخ

قد تهمل الأحلام في زوايا القلب، وقد تغلق الأبواب في وجه الساعين خلفها، لكن الحلم الحقيقي لا يعرف التقادم، ولا يرضخ لصوت الخذلان.

تمر السنين، تتغير الملامح والطرق، لكن ذلك الوميض في القلب يبقى يحترق في صمت، ويشتعل حين يؤمن صاحبه أن الوقت لم يفت بعد.

كم من حلم ظنه الناس انتهى، فنهض في لحظة صدق، وسار بصاحبه إلى قمم لم تخطر له ببال، فالإيمان بالحلم ليس وهماً، بل هو أول درجات اليقين، والبداية الحقيقية لكل انتصار، الحلم الذي تسير إليه رغم العثرات، هو ذاته الذي سيعود إليك في لحظة صدق، لينتصر بك وعليك، ويذكرك دومًا أن ما هو لك، لن يؤخذ منك، ولو تأخر ألف مرة.

هذه الكلمات لا تكفي لوصف ما فعله إيجور جيسوس في أقل من عام على انتقاله لصفوف بوتافوجو البرازيلي قادما من شباب الأهلي الإماراتي في صفقة مجانية الصيف الماضي.

حلم إيجور جيسوس الذي تحول لحقيقة

لم تكن رحلة إيجور جيسوس مجرد انتقال من نادٍ إلى آخر، بل كانت ملحمة كروية خاضها شاب آمن بحلمه، فرفض الإغراءات، وفضل الطريق الأصعب، ففي زمنٍ تتغير فيه الولاءات بسهولة، قرر أن يسير عكس التيار، ورفض تمثيل منتخب الإمارات، رغم سهولة الطريق، واختار أن يعود إلى بلاده حيث الحلم الكبير وهو تمثيل منتخب البرازيل.

جيسوس لم يركض فقط خلف الكرة في رحلته مع بوتافوجو، بل ركض خلف الحلم، ترك أموال وأضواء الإمارات، وعاد ليحفر اسمه بين الكبار.

تألقه اللافت مع بوتافوجو قاده للتتويج بثنائية تاريخية، ووضعه على خارطة السامبا، بل وسجل هدفًا دوليًا بقميص البرازيل، ثم هز شباك باريس سان جيرمان في كأس العالم للأندية بهدف لا ينسى، أعاد به كتابة الرواية.. رواية الحالم العنيد.

من كوريتيبا إلى شباب الأهلي.. بداية التألق

بدأت حكاية جيسوس في أكاديمية نادي كوريتيبا، حيث لعب 49 مباراة، أحرز خلالها 5 أهداف وصنع هدفين، لم تكن أرقامه لافتة حينها، لكن عينيه كانتا على شيء أكبر.

في عام 2020، انتقل إلى صفوف شباب الأهلي الإماراتي في صفقة لم يكن يتوقع لها بالنجاح الكبير وقتها، وهناك بدأت ملامح المهاجم الواعد تتضح.

لم ينتظر كثيرًا حتى يثبت نفسه، إذ سجل 43 هدفًا وصنع 20 في 88 مباراة، ليتحول إلى أحد أبرز المهاجمين في دوري أدنوك للمحترفين، ويقود فريقه لحصد عدة بطولات.

جيسوس توج مع الفرسان بلقب الدوري الإماراتي، وكأس رئيس الدولة الإماراتي وكأس الرابطة، بجانب الفوز بكأس السوبر الإماراتي مرتين، والفوز بالسوبر الإماراتي القطري.

ومع كل هذا التألق، بدأت الأصوات تتعالى لتجنيس اللاعب وضمه لمنتخب الإمارات، وقد تم بالفعل في فبراير 2024.

القرار المفصلي.. “أنا برازيلي”

ورغم كل ما قدمه في الملاعب الإماراتية، اتخذ جيسوس قرارًا قلب الطاولة، جيسوس قرر الرحيل ورفض تمثيل منتخب الإمارات، في قرار وصفه البعض بالجحود، وآخرون رأوا فيه صورة المخلص لهوية كروية لا تقبل المساومة.

رفض اللاعب تجديد عقده مع شباب الأهلي رغم العروض المالية المغرية وقتها، مفضلاً العودة إلى البرازيل، وكانت وجهته نادي بوتافوجو الذي كان يبني فريقا لتحد كبير، وهناك بدأ فصل جديد من المجد.

بوتافوجو.. حيث يصنع التاريخ

في موسم 2024/2025، لعب جيسوس دورًا محوريًا في تتويج فريقه بثنائية الدوري البرازيلي وكوبا ليبرتادوريس.

جيسوس تألق بشكل كبير في بطولة كوبا ليبرتادوريس، حيث سجل 5 أهداف وصنع 2، وكان له حضور لافت في ذهاب نصف النهائي ضد بينارول حين سجل وصنع في فوز كاسح 5-0، قبل أن يغيب عن الإياب الذي خسره الفريق 1-3، لكنه بلغ النهائي وتأهل للمونديال.

الحلم يتحقق.. إيجور جيسوس بقميص السامبا

في أكتوبر 2025، لبى المدرب البرازيلي نداء الجماهير التي طالبت باستدعاء المهاجم المتألق مع بوتافوجو، وبالفعل تم استدعاء جيسوس للمرة الأولى بقميص منتخب البرازيل، وخاض أولى مبارياته الدولية ضد تشيلي في تصفيات كأس العالم 2026، وسجل هدفه الأول في فوز منتخب بلاده 2-1.

مشهد دخوله أرضية الملعب بقميص البرازيل كان كافياً لإسكات كل الأصوات التي شككت في حلمه، أما الهدف، فكان التتويج الرمزي لرحلة كفاح رفضت المسارات القصيرة.

جيسوس أصبح أحد المهاجمين المميزين والذي سيكون ضمن خيارات كارلو أنشيلوتي المدير الفني الجديد للسامبا في الفترة المقبلة، خاصة بعد استمرار تألقه.

جيسوس يقهر بطل أوروبا في مونديال الأندية

تألق جيسوس لم يتوقف، بل أنه أظهر قيمته الفنية بشكل أكبر، عندما شارك مع بوتافوجو في بطولة كأس العالم للأندية 2025، حيث سجل هدفين في أول مباراتين خاضهما، الأول كان ضد لوس أنجلوس الأمريكي.

لكن الهدف الأهم كان في شباك باريس سان جيرمان في الجولة الثانية من دور المجموعات، حيث كانت ليلة باريس شاهدة على ذروة المجد الذي وصل له إيجور، هدف الفوز الوحيد أمام باريس سان جيرمان، بطل أوروبا، هدف حمل توقيع جيسوس في الشوط الأول، وقاد بوتافوجو لفوز تاريخي دونه الفيفا في صفحاته الذهبية.

حلم أوروبا.. جيسوس يقترب من البريميرليج

مع كل هذا التألق، كان من الطبيعي أن يبدأ الكبار في أوروبا مراقبة المهاجم الذي أثبت نفسه محليًا وقاريًا ودوليًا. وتشير التقارير إلى وجود اتفاق مبدئي بين بوتافوجو ونوتنجهام فورست، أحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، لانتقال اللاعب في صيف 2025.

أرقام إيجور جيسوس خلال مسيرته الكروية

قصة إيجور جيسوس ليست مجرد أرقام في جدول، بل حكاية لاعب رفض أن يقايض الحلم بالراحة، وأن يختزل أحلامه في الأموال أو الأضواء، لاعب اختار أن يكون جزءًا من التاريخ وحول حلمه لحقيقة في أقل من عام.

واليوم، حين يذكر اسمه في مدرجات بوتافوجو أو بين مشجعي السامبا، يقال عنه:“هو من اختار الطريق الأصعب.. فاستحق المجد الأكبر“.